فجر الاسلام الصارخ ادارة المنتدى
عدد الرسائل : 305 الموقع الالكتروني : مدونة فجر الاسلام المعتقد و المذهب : الاسلام , أهل السنة والجماعة الموطن : مالي وللدنيا ,ما أنا في الدنيا إلا عابر سبيل استظل تحت الشجرة ثم راح وتركها تاريخ التسجيل : 31/12/2007
| موضوع: تاريخ الاندلس : 6-الخلافة الأموية. الأحد أبريل 27, 2008 11:36 pm | |
| الفصل السادس : الخلافة الأموية
عبد الرحمن الناصر وتولي الحكم
رأينا سابقا كيف كان الوضع أواخر عهد الضعف من الإمارة الأموية، وما هي السمات والملامح التي سادت ذلك العهد، ورأينا كيف أن الناظر إلى بلاد الأندلس في ذلك الوقت ليرى أنه لا محالة من انتهاء الاسلام فيها، وأنه ما هي إلا بضعة شهور أو سنوات قلائل حتى يدخل النصارى إلى الأندلس ويحكموا قبضتهم عليها.
وفي ظل هذا الجو المليء بالفتن، وهذه التركة المثقلة بالهموم، نفاجأ بأمر جلل، لكنه كان متوقعا، فقد زهد جميع أبناء عبد الله بن محمد المرشحون للخلافة في الحكم، وذلك لِما رأوا من عبء هذه التركة المثقلة بالهموم، ولعدم توقع أحد منهم قدرته على التمكن من الإصلاح.
ويشاء القدر أن يقدموا لهذا الأمر الحفيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط، وكان يبلغ من العمر آنذاك اثنين وعشرين عاما، وهو حفيد عبد الله بن محمد وابن القتيل محمد بن عبد الله الذي قتل قبل ذلك باثنين وعشرين عاما، وهو الذي عرف في التاريخ باسم عبد الرحمن الناصر.
يتولى عبد الرحمن الناصر الحكم ويقوم بأمر الإمارة، فإذا به - وسبحان الله - يحيل الضعف إلى قوة، ويقلب الذل إلى عزة، ويعيد الفُرقة إلى وحدة، ويبدد الظلام بنور ساطع يشرق في كل سماء الأندلس تحت مجد وسيادة وسلطان.
وقفة مع عبد الرحمن الناصر وبداية حياته نحو الإصلاح
إن دراسة كافة جوانب حياة عبد الرحمن الناصر لتحتاج إلى دراسة جادة متأنية، وعناية خاصة تفوق هذه الأسطر، إلا أن هناك بعض الإشارات العامة راعينا أن نقف أمامها بعض الشيء، فهو رحمه الله كان حين تولى الحكم يبلغ من العمر اثنتين وعشرين سنة هجرية، أي إحدى وعشرين سنة ميلادية، وبلغة أخرى فهو طالب بالفرقة الثالثة أو الرابعة بالجامعة، هذه واحدة.
أما الثانية فإنه يخطئ من يظن أن تاريخ عبد الرحمن الناصر رحمه الله يبدأ منذ هذا السن أو منذ ولايته هذه على البلاد، فقد رُبّي عبد الرحمن الناصر منذ نعومة أظافره تربية قلما تتكرر في التاريخ.
لم يكد يرى عبد الرحمن الناصر نور الدنيا حتى قتل أبوه وهو بعد لم يبلغ من العمر إلا ثلاثة أسابيع فقط، ومن ثم قام على تربيته جده الأمير عبد الله بن محمد، فرباه رحمه الله ليقوم بما لم يستطع هو القيام به، رباه على سعة العلم وقوة القيادة وحب الجهاد وحسن الإدارة، رباه على التقوى والورع، رباه على الصبر والحلم، على العزة والكرامة، رباه على العدل مع القريب والبعيد، رباه على الانتصار للمظلوم، رباه ليكون عبد الرحمن الناصر.
وهي رسالة إلى كل آباء المسلمين وأولي الأمر منهم: إن لم نكن نحن عبد الرحمن الناصر فليكن أبناؤنا عبد الرحمن الناصر، وإذا كان كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه فما بال تربية أبنائنا اليوم؟! هل نأمرهم بالصلاة عند سبع ونضربهم عليها عند عشر؟! هل نُحفّظ أبناءنا القرآن، أم هم يتعلمون فقط اللغات ويحفظون الأغاني وينشغلون بالكرتون؟! وتُرى ما هي قدوة أولادنا وبمن يتمثلون ويريدون أن يكونوا مثلهم؟! أعباء ضخمة ولكن: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
والثالثة أن عبد الرحمن الناصر رحمه الله حين تولى الحكم كان على ثقة شديدة بالله سبحانه وتعالى وفي ذات الوقت ثقة شديدة بنفسه وأنه قادر على أن يغير، فهو يعي قوله تعالى: [إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] {آل عمران:160} . فلم يدخل قلبه يوما شك أو يأس أو إحباط من صعوبة التغيير أو استحالته، أو أنه لا أمل في الإصلاح كما ظن ويظن غيره، فقام وهو ابن اثنين وعشرين عاما وحمل على عاتقه مهمة ناءت بها السموات والأرض والجبال، مهمة هي من أثقل المهام في تاريخ الإسلام.
عبد الرحمن الناصر وتغيير التاريخ
بعد تولي عبد الرحمن الناصر الحكم وبهذه المؤهلات السابقة، بهذه التربية الشاملة لكل فروع ومقومات الشخصية الإسلامية السوية، وبهذه الثقة الشديدة بالله وبنفسه، أقدم على تغيير التاريخ، فقام بما يلي:
أولا: إعادة توزيع المهام والمناصب، أو ما يمكن تسميته "تنظيف قرطبة":
حين تولى الحكم لم يكن يملك عبد الرحمن الناصر من بلاد الأندلس سوى قرطبة وما حولها من القرى، ورغم أنها تعد أكبر بلاد الأندلس وتمثل مركز ثقل كبير لكونها العاصمة، إلا أنها لم تكن لتمثل أكثر من عشر مساحة الأندلس، بدأ عبد الرحمن الناصر من هذه المساحة الصغيرة يغير من التاريخ.
قام بتطهير المراكز المرموقة في قرطبة، من وزراء وقواد للجيش وغيرهم من رموز الفساد التي استولت عليها، واستبدالهم بمن ينتقيهم هو ممن يتصفون بالتقوى والورع ونظافة اليد وسعة العلم، وهكذا في كل المراكز القيادية في قرطبة.
ثم أعلى من شأن العلماء جدا، ورفع منزلتهم فوق منزلته نفسه، ورضخ لأوامرهم ونواهيهم، فطبق ذلك على نفسه أولا قبل أن يطبقه على شعبه، ثم طبق الشرع الإسلامي بكامله، ولم يتنازل ولو عن نقطة واحدة من أحكام الشرع الكريم، سواء أكان ذلك في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قدوة في كل أفعاله وأعماله تلك.
ورد أنه رحمه الله كان يحضر خطبة الجمعة، وكان يخطبها المنذر بن سعيد من أكبر علماء قرطبة وكان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى على عبد الرحمن الناصر رحمه الله الخليفة والأمير، وكان عبد الرحمن الناصر قد بنى لنفسه قصرا كبيرا، فأسرف المنذر في الكلام وأسرع في التقريع لعبد الرحمن الناصر لبنائه ذلك القصر.
وحين عاد عبد الرحمن الناصر إلى بيته قال: والله لقد تعمدني منذر بخطبته، وما عنى بها غيري، فأسرف عليّ، وأفرط في تقريعي، ولم يحسن السياسة في وعظي؛ فزعزع قلبي، وكاد بعصاه يقرعني. وهنا أشار عليه رجل ممن كانوا حوله بعزله عن خطبة الجمعة، فرد عليه عبد الرحمن الناصر قائلا: أمثل منذر بن سعيد في فضله وخيره وعلمه يعزل؟! يعزل لإرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير قصد؟! هذا والله لا يكون، وإني لأستحي من الله ألا أجعل بيني وبينه سبحانه وتعالى في صلاة الجمعة شفيع مثل منذر في ورعه وصدقه، وما عزله حتى مات.
وعلى مثل هذه المبادئ وهذه المعاني بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله يربي أهل قرطبة، وكان في انصياعه هو أفضل قدوة للناس جميعا.
ثانيا: الاتجاه إلى الثورات ومحاولة ترويضها
بعد الانتهاء من الشأن الداخلي في قرطبة وتهيئته تماما بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله يتجه إلى المحيط الخارجي، حيث الثورات المتعددة في كل أرض الأندلس، هداه تفكيره إلى أن يبدأ بعمر أو صمويل بن حفصون؛ وذلك لسببين:
الأول: أن هذا الرجل لا يختلف اثنان على أنه يستحق القتل؛ وذلك لأنه ارتد عن دين الله سبحانه وتعالى ومن ثم فقد أصبح قتاله فرضا على المسلمين. والسبب الثاني: أنه يستطيع بذلك أن يحفز أهل قرطبة الذين كانوا قد ألفوا الثورات في هذه الآونة؛ حيث المعركة في منتهى الوضوح هي بين المسلمين والمرتدين.
في الطريق للقضاء على ثورة صمويل بن حفصون
بعد نحو شهرين فقط من توليه الحكم قاد عبد الرحمن الناصر أول حملة له لقتال المرتدين استرد فيها مدينة أَسْتُجّه، وكانت من أحصن مدن الأندلس- كما علمنا عند بداية الفتوحات- ثم بعد ذلك بنحو شهرين أو ثلاثة أشهر قاد بنفسه حملة كبيرة على صمويل بن حفصون استمر مداها طيلة ثلاثة أشهر كاملة، هي شعبان ورمضان وشوال من سنة ثلاثمائة من الهجرة من نفس العام الذي تولى فيه رحمه الله فاسترد جَيّان، وهي أيضا من المدن الحصينة جدا في الأندلس، ويكفي لمعرفة هذا أنه استرد فيها سبعين حصنا من حصون صمويل بن حفصون.
ما زالت قوة صمويل بن حفصون كبيرة جدا؛ فالمدد يأتيه من الشمال من دول النصارى، ويأتيه أيضا من الجنوب من الدولة الفاطمية، هذا فضلا عن إمدادات مدينة أشبيلية والتي كان عليها حاكم مسلم من أولاد ابن حجاج، لكنه كان متمردا على سلطة قرطبة، وكان يملك جيشا مسلما كبيرا.
فكر عبد الرحمن الناصر كثيرا في كيفية قطع هذه الإمدادات على صمويل بن حفصون، اهتدى أخيرا في أن يبدأ بالهجوم على مدينة أشبيلية أكبر مدن الجنوب بعد قرطبة؛ وذلك بمنطق النزعة الإسلامية التي غلبت عليه، حيث أمّل إن هو ذهب إلى أشبيلية واستطاع أن يُرغم حاكمها على الانضمام له أو الانصياع إليه بالقوة أن ينضم إليه جيش أشبيلية المسلم الكبير، وبذلك تقوى جيوش الدولة الأموية، وتقوى شوكته.
وبالفعل وبعون من الله كان له ما أمّل، حيث ذهب إلى أشبيلية بعد أقل من عام واحد من ولايته في سنة ثلاثمائة وواحد من الهجرة، واستطاع أن يضمها إليه؛ فقويت بذلك شوكته وعظم جانبه، فعاد إلى صمويل بن حفصون بعد أن قطع عنه المدد الغربي الذي كان يأتيه من أشبيلية، واسترد منه جبال رندة ثم شذونة ثم قرمونة، وهي جميعا من مدن الجنوب.
تعمق عبد الرحمن الناصر بعد ذلك ناحية الجنوب حتى وصل إلى مضيق جبل طارق فاستولى عليه، ويكون بذلك أيضا قد قطع الإمدادات والمساعدات التي كانت تأتيه من الجنوب من الدولة الفاطمية عن طريق مضيق جبل طارق، وسعى عبد الرحمن الناصر إلى أكثر من هذا حيث قطع أيضا طريق الإمدادات التي كانت تأتيه من الدول النصرانية في الشمال عن طريق المحيط الأطلسي، ثم مضيق جبل طارق، ثم البحر الأبيض المتوسط حتى تصله، وبذلك يكون عبد الرحمن الناصر قد قطع عن صمويل بن حفصون كل طرق الإمدادات والمساعدات التي كانت تمده وتقويه.
لم يجد صمويل بن حفصون بدا من طلب الصلح والمعاهدة من عبد الرحمن الناصر على أن يعطيه اثنين وستين ومائة حصنا من حصونه، ولأن البلاد كانت تشهد موجة من الثورات والانقسامات يريد عبد الرحمن الناصر أن يتفرغ لها، فضلا عن أنه سيضمن في يده اثنين وستين ومائة حصنا وسيأمن جانبه فقد قبل المعاهدة ووافق على الصلح من صمويل بن حفصون.
عبد الرحمن الناصر يفجأ الجميع ويتجه نحو الشمال الغربي
أصبحت قوة عبد الرحمن الناصر رحمه الله تضم قرطبة وأشبيلية وجيان وأستجة، وهي جميعا من مدن الجنوب، بالإضافة إلى حصون أخرى كثيرة - كما ذكرنا - وكل هذه المساحة كانت تمثل تقريبا سدس مساحة الأندلس الإسلامية في ذلك الوقت، هذه واحدة.
الأمر الثاني أن صمويل بن حفصون ما زال يملك حصونا كثيرة ويسيطر سيطرة كاملة على الجنوب الشرقي من البلاد، لكن قطعت عنه الإمدادات الخارجية سواء من النصارى أو الدولة الفاطمية أو أشبيلية.
والأمر الثالث أنه كان هناك تمرد في طليطلة (تقع في شمال قرطبة)، ورابعا: تمرد في سرقسطة في الشمال الشرقي، وخامسا: تمرد في شرق الأندلس في بلنسية، وسادسا: تمرد في غرب الأندلس يقوده عبد الرحمن الجليقي.
أي أن الأندلس في عام اثنين وثلاثمائة من الهجرة كانت مقسمة إلى ستة أقسام، قسم واحد فقط في يد عبد الرحمن الناصر، ويضم قرطبة وأشبيلية وما حولها بما يقارب سدس مساحة الأندلس كما ذكرنا، والخمسة الأخرى موزعة على خمس متمردين، والمتوقع - إذن - هو أن يحاول عبد الرحمن الناصر من جديد مقاومة إحدى مراكز التمرد هذه إن لم تكن الأقرب إليه.
وإن المرء ليقف فاغرا فاه شاخصا بصره حين يعلم أن عبد الرحمن الناصر ترك كل هذه التمردات، واتجه صوب الشمال الغربي صوب مملكة ليون النصرانية مباشرة. ترك عبد الرحمن الناصر كل شيء وأخذ جنده من قرطبة وأشبيلية وصعد في اتجاه الشمال الغربي ليقابل قوات النصارى هناك، والتي كانت تهاجم منطقة من مناطق المتمردين غرب الأندلس.
ظل عبد الرحمن الناصر في حرب مع قوات النصارى تلك في أرض المتمردين عامين كاملين، عاد بعدها منتصرا محملا بالغنائم، تاركا البلاد راجعا إلى قرطبة وأشبيلية، وكأنه أراد أن يعلم الناس أمرا ويرسل إليهم برسالة في منتهى الوضوح كانت قد خفيت عليهم، مفادها: الأعداء الحقيقيين ليسو المسلمين في الداخل، إنما هم النصارى في الشمال، إنما هم في مملكة ليون، ومملكة نافار، ومملكة أراجون.
بهذا العمل استطاع عبد الرحمن الناصر رحمه الله إحراج المتمردين إحراجا كبيرا أمام شعوبهم، كما استطاع أن يحرك العاطفة في قلوب الشعوب نحوه، وكذلك تتحرك عواطف الشعوب نحو من يدافع عن قضاياها الخارجية، ونحو من يحارب أعداءها الحقيقيين.
وهي نصيحة إلى أولياء أمور المسلمين بألا يتهاونوا بعواطف الشعوب، وأن يقدروها حق قدرها، وأن يستميلوها بالتوجه نحو الأعداء الحقيقيين بدلا من الصراع مع الجار أو القطر المسلم، فإذا كانت القضية هي فلسطين، أو هي الشيشان، أو هي كشمير، أو هي غيرها من قضايا المسلمين كان التوحد والتجمع، وكان الانسجام وعدم الفُرقة.
نتائج توجه عبد الرحمن الناصر نحو الشمال الغربي
فقه الدرس ووعاه جيدا عبد الرحمن الناصر، وبعد عامين من مهاجمة النصارى في الشمال في واحدة هي من أكبر الحملات التي قادها رحمه الله والتي انتهت في سنة أربع وثلاثمائة من الهجرة عاد بجيشه القليل نسبيا محملا بالغنائم، وذلك بعد انتصارات عديدة على النصارى هناك.
كانت نتائج أخرى ليست أقل من سابقتها في انتظاره رحمه الله كانت أولاها أن أذعنت سرقسطة وانضمت إليه دون قتال، وكانت الثانية بمثابة هدية من رب العالمين لمن التزم دينه وجاهد في سبيله وثبت عليه، وهي موت صمويل بن حفصون مرتدا وعلى نصرانيته في سنة ست وثلاثمائة من الهجرة، عن عمر يناهز ست وستين سنة.
وفي سرعة يحسد عليها قام عبد الرحمن الناصر مستغلا هذا الحدث، وضم إليه كل مناطق الجنوب الشرقي، وفي خطوة تالية استتاب النصارى الذين كانوا قد ارتدوا مع صمويل من الإسلام إلى النصرانية ثلاثة أيام، فمن تاب منهم وعاد إلى الإسلام قبله في جيشه، ومن أبى إلا أن يظل نصرانيا قتله ردة، وكان من هذا الصنف الأخير ابنة عمر أو صمويل بن حفصون، وقد كانت تحفز الناس على ألا يتركوا دين الآباء ودين النصرانية.
عدل سابقا من قبل فجر الاسلام الصارخ في الإثنين أبريل 28, 2008 12:00 am عدل 1 مرات | |
|
فجر الاسلام الصارخ ادارة المنتدى
عدد الرسائل : 305 الموقع الالكتروني : مدونة فجر الاسلام المعتقد و المذهب : الاسلام , أهل السنة والجماعة الموطن : مالي وللدنيا ,ما أنا في الدنيا إلا عابر سبيل استظل تحت الشجرة ثم راح وتركها تاريخ التسجيل : 31/12/2007
| موضوع: رد: تاريخ الاندلس : 6-الخلافة الأموية. الأحد أبريل 27, 2008 11:38 pm | |
| عبد الرحمن الناصر والطريق إلى راية واحدة للأندلس
لم يلتقط عبد الرحمن الناصر رحمه الله أنفاسه، وقام في سنة ثمان وثلاثمائة من الهجرة بالتحرك نحو واحدة من مراكز التمرد وهي طليطلة، تلك التي لم تستطع أن تقف أمام هذه القوة الجارفة فضمها إليه في سهولة، بعدها أصبح الطريق آمنا نحو الشمال مباشرة؛ حيث سرقسطة في الشمال الشرقي، وطليطلة في وسط الشمال قد أصبحتا في يده.
وفي نفس العام في سنة ثمان وثلاثمائة من الهجرة، وعمره آنذاك ثلاثون سنة فقط، قام عبد الرحمن الناصر على رأس حملة ضخمة جدا باتجاه نصارى الشمال، فكانت غزوة موبش الكبرى بين عبد الرحمن الناصر من جهة، وجيوش ليون ونافار مجتمعة من جهة أخرى، واستمرت هذه الغزوة طيلة ثلاثة أشهر كاملة، حقق فيها عبد الرحمن الناصر انتصارات ضخمة وغنائم عظيمة، وضم إليه مدينة سالم وكانت تحت يد النصارى.
بعد أربعة أعوام من غزوة موبش وفي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة من الهجرة قاد عبد الرحمن الناصر بنفسه رحمه الله حملة ضخمة أخرى على مملكة نافار، واستطاع في أيام معدودات أن يكتسحها اكتساحا، ويضم إلى أملاك المسلمين مدينة بمبلونة عاصمة نافار، ثم بدأ بعدها يحرر الأراضي التي كان قد استولى عليها النصارى في عهد ضعف الإمارة الأموية.
وفي سنة ست عشرة ومائة من الهجرة يقود عبد الرحمن الناصر حملة أخرى على شرق الأندلس ويقمع التمرد الذي كان هناك ويضمها إلى أملاكه، ثم في نفس العام حملة أخرى على غرب الأندلس وهزيمة لعبد الرحمن الجليقي ومن ثم يضم غرب الأندلس إلى أملاكه من جديد.
وبذلك وبعد ستة عشرا عاما من الكفاح المضني، يكون رحمه الله قد وحّد الأندلس كله تحت راية واحدة، وحّدها جميعا ولم يتجاوز عمره آنذاك ثمانية وثلاثين عاما بعد، رحمه الله رحمة واسعة.
عهد جديد.. عهد الخلافة الأموية
نظر عبد الرحمن الناصر رحمه الله إلى العالم الإسلامي من حوله فوجد الخلافة العباسية قد ضعفت، وكان قد قُتل المقتدر بالله الخليفة العباسي في ذلك الوقت على يد مؤنس المظفر التركي، وقد تولى الأتراك حكم البلاد فِعْليا وإن كانوا قد أجلسوا الخليفة العباسي القادر بالله على كرسي الحكم.
ثم نظر رحمه الله إلى الجنوب فوجد الفاطميين قد أعلنوا الخلافة وسمّوا أنفسهم أمراء المؤمنين، فرأى أنه وقد وحّد الأندلس وصنع هذه القوة العظيمة أحق بهذه التسمية وبذلك الأمر منهم فأطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين، وسمى الإمارة الأمويّة بالخلافة الأموية.
ومن هنا يبدأ عهد جديد في الأندلس هو عهد الخلافة الأموية، وذلك ابتداء من سنة ست عشرة وثلاثمائة وحتى سنة أربعمائة من الهجرة، أي نحو أربع وثمانين سنة متصلة، وهو يعد (عهد الخلافة الأموية) استكمالا لعهد الإمارة الأموية، مع فروق في شكليات الحكم وقوة السيطرة والسلطان لصالح الأخير.
عبد الرحمن الناصر يتابع سياسته العسكرية التوسعية
بعد ثلاث سنوات من إعلان الخلافة الأموية، وفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة من الهجرة يتجه عبد الرحمن الناصر جنوبا نحو مضيق جبل طارق، ويقوم بغزو بلاد المغرب ويحارب الفاطميين هناك فيضم سبتة وطنجة إلى بلاد الأندلس، وتتم له بذلك السيطرة الكاملة على مضيق جبل طارق، فيبدأ بإمداد أهل السنة في منطقة المغرب بالسلاح، لكنه لم يشأ أن يمدهم بالجنود تحسبا لهجمات ممالك النصارى في الشمال.
وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة من الهجرة تحدث خيانة من حاكم مملكة الشمال الشرقي سرقسطة محمد بن هشام التجيبي، حيث ينضم إلى مملكة ليون النصرانية لحرب عبد الرحمن الناصر، وبكل حزم وقوة يأخذ عبد الرحمن الناصر جيشا كبيرا يتصدى به لهذه الخيانة ويهاجم مدينة سرقسطة، وعند أطراف المدينة يهاجمه جيش سرقسطة، فيغزو عبد الرحمن الناصر قلعة حصينة ويمسك بقوّاد هذا الجيش، ويقوم بإعدامهم على الفور وأمام أعين الجميع في عمل لا يوصف إلا بالكياسة والحزم.
وهنا أعلن حاكم سرقسطة محمد بن هشام التجيبي ندمه وعودته إلى عبد الرحمن الناصر، وكعادة الأبطال الدهاة والساسة الحكماء قبل منه رحمه الله اعتذاره ثم أعاده حاكما على سرقسطة، رابحا بذلك كل قلوب التجيبيين بعد أن كان قد تملك منهم، متشبها أيضا برسول الله صلى الله عليه و سلم حين قال لأهل مكة بعدما دخلها فاتحا، وكانوا قد طردوه منها وآذوه هو وأصحابه: اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ.
وبمنطق الحزم وقت الحزم والعفو عند المقدرة عمل عبد الرحمن الناصر، فأطلق حكّام سرقسطة بعد أن أعلنوا توبتهم وأعاد التجيبيين إلى حكمهم؛ فأثّر ذلك كثيرا في المدينة كلها، فما ارتدت بعد ذلك على عهدها مع عبد الرحمن الناصر رحمه الله.
وفي سنة خمس وعشرين وثلاثمائة من الهجرة هجم عبد الرحمن الناصر على مملكة أراجون النصرانيّة في الشمال الشرقي بجوار مملكة سرقسطة وضمها إلى أملاك المسلمين، وكذلك ضم برشلونة والتي كانت قد سقطت منذ سنوات كثيرة.
زلة لا تخطئ البشر ولا تعرف النسب
أن تسير الأمور هكذا على الدوام أمر في غاية الصعوبة، أن لا تحدث زلة فليس هناك بشرلا يخطئ، ولكل جواد كبوة، هذه ليست مبررات لما سيأتي بقدر ما هي بحث في العلة والسبب في محاولة لتجنبه وتفاديه طالما هو من شيمة البشر.
في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة وبعد سبع وعشرين سنة من بداية عهد عبد الرحمن الناصر كانت قوّة الجيش الإسلامي قد بلغت شأوا عظيما، حيث ناهزت المائة ألف مقاتل، والأندلس آنذاك تحت راية واحدة، أخذ عبد الرحمن الناصر هذا الجيش العظيم متجها إلى مملكة ليون النصرانية ليحاربهم هناك.
وفي زلة لا تعرفها السنن الكونية راح عبد الرحمن الناصر يعتقد في جيشه وقوة عدده، ونسوا جميعا الدعاء الذي كانوا يتضرعون به لرب العالمين وهم عالة ضعفاء أن ينصرهم على أعدائهم، وفي درسٍ قاسٍ له ولجيشه الجرار، وفي حنين أخرى تدور واحدة من أشرس وأعنف المعارك على المسلمين أصحاب الأرقام الستة، سميت بموقعة الخندق أو موقعة سامورة.
وإذا بالتاريخ يعيد نفسه، وإذا بسامورة تنقلب حنينا، والله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين أحد من البشر نسبا، فإذا أخطأ العباد وبعدوا عن ربهم سبحانه وتعالى تكون الهزيمة محققة لا محالة، فانهزم جيش المسلمين في موقعة الخندق أو موقعة سامورة، وبانتهاء المعركة كان نصف عدد الجيش (خمسون ألفا) بين القتل والأسر، وفر عبد الرحمن الناصر رحمه الله مع النصف الآخر عائدين بأكبر خسارة وأثقل هزيمة.
عبد الرحمن الناصر والعودة إلى سابق عهده
بعد موقعة سامورة لم يستسلم عبد الرحمن الناصر رحمه الله، وهو الذي رُبّي على الجهاد والطاعة لربه ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فعلم مواضع الخلل ومواطن الضعف، ومن جديد تدارك أمره وقام وقام معه العلماء والمربون يحفزون الناس ويعلمونهم الإسلام.
ومن جديد أعادوا هيكلهم وقاموا بحرب عظيمة على النصارى في سنة تسع وعشرين وتسعمائة من الهجرة، تلتها حملات مكثفة وانتصارات تلو انتصارات، ظلت من سنة تسع وعشرين وتسعمائة إلى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة، حتى أيقن النصارى بالهلكة، وطلب ملك ليون الأمان والمعاهدة على الجزية، يدفعها لعبد الرحمن الناصر عن يد وهو صاغر.
كذلك فعل ملك نافار، ومثلهما مملكة أراجون النصرانية التي كانت في حوزة عبد الرحمن الناصر رحمه الله فدفعوا جميعا الجزية ابتداءا من سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة إلى آخر عهده رحمه الله سنة خمسين وثلاثمائة من الهجرة.
| |
|
فجر الاسلام الصارخ ادارة المنتدى
عدد الرسائل : 305 الموقع الالكتروني : مدونة فجر الاسلام المعتقد و المذهب : الاسلام , أهل السنة والجماعة الموطن : مالي وللدنيا ,ما أنا في الدنيا إلا عابر سبيل استظل تحت الشجرة ثم راح وتركها تاريخ التسجيل : 31/12/2007
| موضوع: رد: تاريخ الاندلس : 6-الخلافة الأموية. الأحد أبريل 27, 2008 11:41 pm | |
| مظاهر الحضارة في عهد عبد الرحمن الناصر
ما سبق كان من التاريخ السياسي والعسكري لعبد الرحمن الناصر رحمه الله وواقع الأمر أن جهده لم يكن كله موجها فقط إلى الجيوش والحروب، بل إنه كان متكاملا ومتوازنا رحمه الله في كل أموره.
فقد قامت في عهده أروع حضارة عرفتها البشرية في تاريخها القديم، استهلها رحمه الله بإنشاء هياكل إدارية عظيمة، وأكثر من الوزارات والهيئات، وجعل لكل أمر مسئولا ولكل مسئول وزارة كبيرة تضم عمالا كثيرين وكتبة، وهذه نبذة عن أهم جوانب الحياة الحضارية في عصره:
الجانب المعماري:
كان من أهم ما يميز الناحية المعمارية في عهد عبد الرحمن الناصر تلك المدينة العظيمة التي أنشأها وأطلق عليها اسم مدينة الزهراء، وهي تقع في الشمال الغربي لمدينة قرطبة، وكان قد اضطر لإنشائها حتى يتسنى له استقبال الوفود الكثيرة التي كانت تأتي إليه من كل بلاد العالم تخطب وده رحمه الله.
كانت مدينة الزهراء على طراز رفيع جدا، وقد استجلب لها عبد الرحمن الناصر رحمه الله موادا من القسطنطينية ومن بغداد ومن تونس ومن أوروبا، وقد صممت على درجات مختلفة: فكانت هناك درجة سفلى وهي للحراس والكتبة والعمال، ثم درجة أعلى وهي للوزراء وكبار رجال الدولة، ثم أعلى الدرجات في منتصف المدينة وفيها قصر الخلافة الكبير.
وفي مدينة الزهراء أنشأ عبد الرحمن الناصر قصر الزهراء، ذلك القصر الذي لم يبق في التراث المعماري الإسلامي أبدا مثله، فقد بالغ في إنشائه حتى أصبح من معجزات زمانه، فكان الناس يأتون من أوروبا ومن كل أقطار العالم الاسلامي كي يشاهدوا قصر الزهراء في مدينة الزهراء.
وهذه أيضا مدينة قرطبة وقد اتسعت جدا في عهد عبد الرحمن الناصر، وبلغ تعداد سكانها نصف مليون مسلم، معتبرة بذلك ثاني أكبر مدينة في تعداد السكان في العالم بأسره بعد بغداد المدينة الأولى، والتي كان تعداد سكانها يبلغ مليونين.
ضمت مدينة قرطبة ثلاث عشرة آلاف دار، والدار بلغة العصر هي المكان الواسع الفسيح الذي يضم بيتا وحديقة من حوله، وكان فيها ثمان وعشرون ضاحية، فضلا عن ثلاثة آلاف مسجد، حتى أطلق عليها في ذلك العصر وبحق جوهرة العالم.
ثم هو أيضا مسجد قرطبة وقد وسّعه رحمه الله حتى أصبح آية من آيات الفن المعماري، وكان محرابه عبارة عن قطعة رخام واحدة على شكل محارة كان قد أتى بها من إيطاليا، وأنشأ أيضا حدائق للحيوان في كل أرض الأندلس ومسارح للطيور.
الجانب الاقتصادي:
كانت البلاد في عهده رحمه الله تعيش في رخاء منقطع النظير، فكثرت الأموال حتى بلغت ميزانية الدولة ستة ملايين دينارا ذهبا، كان يقسمها ثلاثة أقسام كجده عبد الرحمن الداخل رحمه الله ثلث للجيش وثلث للبناء والمعمار والمرتبات وما إلى ذلك، والثلث الأخير للادخار لنوائب الزمن.
وكان قد اهتم رحمه الله اهتماما كبيرا بالزراعة، وكانت قد كثرت الفواكه في عهده، وأولى رحمه الله زراعة القطن والكتان والقمح عناية خاصة لم تفق عنايته بقوانين الزراعة نفسها.
مجال الصناعة والمناجم:
كان من جل اهتماماته أيضا استخراج الذهب والفضة والنحاس، وكذلك صناعة الجلود وصناعة السفن وآلات الحرث والأدوية، وقام رحمه الله بإنشاء أسواق كثيرة متخصصة لعرض وتداول مثل هذه البضائع، فكان هناك - على سبيل المثال - سوق للنحاسين، وأخرى لللحوم، بل حتى سوق للزهور.
الناحية الأمنية:
عم الأمن والأمان عهد عبد الرحمن الناصر، فلم تقم أبدا ثورات عليه طيلة عهده الثاني، فكان جهاز الشرطة قد قوي كثيرا، وكانت هناك الشرطة التخصصية، شرطة للنهار وأخرى للليل، وثالثة للتجارة ورابعة للبحر وهكذا، وكذلك قد انتشر البريد كثيرا.
وأنشأ رحمه الله ما يعرف بمحاكم المظالم، وهي شبيهة جدا بمحاكم الاستئناف اليوم، وقد طور من شكل المحاكم، وحكم الشرع وأقامه إقامة دقيقة، وما فرط أبدا في كلمة من كلمات الله سبحانه وتعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الناحية العلمية:
في عهده رحمه الله ازدهر العلم والتعليم بصورة ملحوظة، وقد اهتم كثيرا بمكتبة قرطبة، تلك التي كانت قد تأسست قبل هذا، فزاد كثيرا في حجمها حتى بلغ عدد الكتب فيها أربعمائة ألف كتاب، وهو زمن لم تظهر فيه الطباعة بعد، وإنما كانت عن طريق النسخ اليدوي.
ومن أجل هذا فقد ظهرت وظائف جديدة للمسلمين لم يعتادوا عليها قبلا، فظهرت مثلا وظيفة النسّاخين، فإذا أراد أحد من الناس أن يمتلك كتابا ما عليه إلا أن يذهب إلى نَسّاخ فيذهب النساخ بدوره إلى مكتبة قرطبة فينسخ له ما يريد (لم تكن هناك حقوق طبع كالموجودة الآن)، حيث كان المؤلف يكتب كتابه ويتمنى أن ينشر وينسخه كل العالمين؛ لأنه ما كان يكتب إلا ابتغاء وجهه سبحانه وتعالى.
كذلك أيضا ظهرت وظيفة الباحثين، فمثلا لو صادفتك مسألة من مسائل الفقه أو مسائل العقيدة أو السيرة، وصعب عليك أن تبحث عنها في أربعمائة ألف كتاب، فما عليك إلا أن تذهب إلى باحثين خبراء، فيبحثوا لك عن كل ما تريد.
السياسة الخارجية:
ذاع صيت عبد الرحمن الناصر رحمه الله في الدنيا جميعا، ورضيت منه ممالك الشمال بالعهد والجزية، وقد جاءت السفارات من كل أوروبا تطلب وده، فجاءت السفارات من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا، بل جاءت من أقصى شرق أوروبا من بيزنطة، وهي بعيدة جدا عن عبد الرحمن الناصر لكنها جاءت تطلب وده وتهدي إليه الهدايا، وأشهرها كانت جوهرة ثمينة وضخمة جدا، كان يضعها عبد الرحمن الناصر في وسط قصره الذي في مدينة الزهراء.
من ضمن ما جاءه من الرسائل كانت رسالة من ملك إنجلترا يرجوه فيها أن يعلم أربعة من علماء إنجلترا في مكتبة قرطبة أو في جامعة قرطبة، طلب منه ملك إنجلترا هذا الطلب ثم وقّع في آخر الرسالة: (خادمكم المطيع ملك إنجلترا).
وهكذا كان عز الاسلام وكبرياؤه متمثلا في عهد عبد الرحمن الناصر رحمه الله حتى أصبح بلا منازع أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى، الأمر الذي جعل إسبانيا في سنة إحدى وستين وتسعمائة وألف من الميلاد تحتفل وهي على نصرانيتها بمرور ألف سنة ميلادية على وفاة عبد الرحمن الناصر؛ لأنه كان أعظم ملوك إسبانيا على مر العصور، فلم يستطيعوا أن يخفوا إعجابهم بهذا الرجل الذي رفعهم في العالمين، والتي كانت الأندلس في عهده وبلا جدال أقوى دولة في العالم.
عبد الرحمن الناصر.. الإنسان
من يقرأ أو يسمع عن مثل ما سبق يجول في خاطره أن مثل هذا الرجل لم يكن يعرف إلا طريقا واحدا، هو طريق العظمة والكبرياء، طريق العزة وعدم الخنوع، إلا أن من ينظر بقرب إلى شخص عبد الرحمن الناصر رحمه الله والذي ظل يحكم البلاد من سنة ثلاثمائة إلى سنة خمسين وثلاثمائة من الهجرة (نصف قرن كامل) ليرى العجب العجاب، فقد كان رحمه الله مع كل هذا السلطان وهذا الصولجان دائم الذكر لربه سبحانه وتعالى سريع الرجوع إليه.
فقد حدث ذات مرة قحط شديد في الأندلس، وقام الناس للاستسقاء، ولكن نظروا فلم يجدوا الخليفة معهم، فذهبوا يبحثون عنه، وكان يقوم بالصلاة المنذر بن سعيد رحمه الله فأرسل غلاما للبحث عن عبد الرحمن الناصر، فذهب الغلام إلى القصر فوجده منفردا بنفسه حائرا، لابسا أخشن الثياب، جالسا على التراب، ودموعه قد بللت لحيته، يعترف بذنوبه ويقول: يا رب، هذه ناصيتي بيدك، أتراك تعذب بي الرعية وأنت أحكم الحاكمين؟! يا رب، لن يفوتك شيء مني، فتركه الغلام وذهب إلى المنذر بن سعيد وأبلغه بما رأى، فقال المنذر: يا غلام، أبشر، احمل المطر معك؛ فقد أذن الله سبحانه وتعالى بالسقيا، فإذا خشع جبّار الأرض (يقصد من يملك الناس) فقد رحم جبّار السماء.
وها هو يتوفي رحمه الله سنة خمسين وثلاثمائة من الهجرة عن اثنين وسبعين عاما، وقد وجدوا في خزانته ورقة كان قد كتبها بخط يده، عدّ فيها الأيام التي صفت له دون كدر فقال: في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا صفا لي ذلك اليوم، فعدّوها فوجدوها أربعة عشر يوما فقط.
| |
|
فجر الاسلام الصارخ ادارة المنتدى
عدد الرسائل : 305 الموقع الالكتروني : مدونة فجر الاسلام المعتقد و المذهب : الاسلام , أهل السنة والجماعة الموطن : مالي وللدنيا ,ما أنا في الدنيا إلا عابر سبيل استظل تحت الشجرة ثم راح وتركها تاريخ التسجيل : 31/12/2007
| موضوع: رد: تاريخ الاندلس : 6-الخلافة الأموية. الأحد أبريل 27, 2008 11:43 pm | |
| الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وعصر النهضة
استخلف عبد الرحمن الناصر على الحكم ابنه الحكم بن عبد الرحمن الناصر، والذي تولى من سنة خمسين وثلاثمائة إلى سنة ست وستين وثلاثمائة من الهجرة، وفي عهده حدثت في بلاد الأندلس نهضة علمية غير مسبوقة؛ ولا غرو فقد تولى الحُكم وهو يبلغ من العمر سبعا وأربعين سنة، وكان هو نفسه عالما من العلماء، ويكفي أنه لُقّب بعاشق الكتب.
أنشأ الحكم بن عبد الرحمن المكتبة الأمويّة، تلك التي تعد أعظم مكتبات العصور الوسطى على الإطلاق، وكانت تنافس مكتبة قرطبة ومكتبة بغداد، وقد دفع آلاف الدنانير لجلب أعظم الكتب إليها من كل مكان في العالم، وكان له عمّال وظيفتهم الوحيدة هي جمع الكتب من مشارق الأرض ومغاربها من بلاد المسلمين ومن غير بلاد المسلمين، فإن جاء كتاب في الفلك أوالطب أوالهندسة أو غيرها من أي بلد غير إسلامي تُرجم على الفور وضُم إلى المكتبة الأموية.
كان رحمه الله يشتري الكتب مهما بالغ الناس في أسعارها، وقد أحضر في مكتبته هذه النسخة الأولى من كتاب الأغاني للأصفهاني (كتاب في الأدب) وأصفهان هذه الآن من مدن إيران، فلم تكن تقف أمامه التخوم ولا الحدود.
كثر النسخ في عصره وكان وظيفة النساء في البيوت، واشتهرت نساء الأندلس بحسن الخط وجماله؛ حيث كان الرجال مشغولون بالجهاد ونشر العلم والبناء والمعمار وغيره، وكانت قد ازدهرت كثيرا في الأندلس صناعة الكتب والورق والتجليد والأحبار، الأمر الذي كان فيه باباوات إيطاليا يشترون الورق من الأندلس ليكتبوا عليه أناجيلهم، وكذلك كانت كل أوروبا تستورد الورق وغيره الكثير من بلاد الأندلس.
وسّع الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله في المكتبة كثيرا، وجعل لها أروقة عظيمة حتى تستوعب كثرة الحضور من المسلمين، وأنشأ أيضا دارا لتعليم الفقراء بالمجان، وخصص المعونات والمكافآت لطلاب العلم، حتى انتشر التعليم بصورة ملفتة، واختفت الأمية تماما في هذا العهد السحيق - منذ أكثر من ألف عام - وأصبح كل أهل الأندلس يعرفون القراءة والكتابة.
أنشأ أيضا رحمه الله جامعة قرطبة، وقد كان العلماء قبل إنشائها يشتغلون بالتجارة أوالزراعة أوالصناعة أو غيرها من الحرف اليدوية، إضافة إلى كونهم يتعلمون ويُعلّمون، لكن الحكم بن عبد الرحمن الناصر جعل وظيفة التدريس وظيفة خاصة قائمة بنفسها، فكان يجعلهم يفرغون للتدريس والتعليم فقط؛ وذلك حتى يستطيعوا أن يبدعوا فيه.
جهاد الحكم بن الناصر وتوسعاته
وسط هذه الأجواء العلمية، وهذا الاهتمام الكبير من قِبَل عاشق الكتب بالعلم والتعليم، ظنت ممالك أوروبا الشمالية وممالك الأندلس النصرانية الشمالية أن الحكم بن عبد الرحمن الناصر يهتم بالعلم على حساب الجهاد، وعلى خلاف عهدهم الذي كانوا قد أبرموه مع أبيه عبد الرحمن الناصر قاموا بمهاجمة مناطق الشمال، فما كان من الحكم إلا أن ردّ عليهم كيدهم في نحورهم، وهاجمهم بغزوات كغزوات أبيه، وانتصر عليهم رحمه الله في مواقع عدة، حتى رضوا بالجزية من جديد عن يد وهم صاغرون.
ومن منطلق إسلامي بَحْت بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله في حرب الدولة الفاطمية في بلاد المغرب، كان الأندلسيون لا يملكون سوى مينائي سبتة وطنجة في عهد عبد الرحمن الناصر، وفي عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر كانت قد انضمت كل بلاد المغرب إلى الأندلس تحت حكم الخلافة الأمويّة.
ظل الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله يحكم من سنة خمسين وثلاثمائة من الهجرة، وحتى سنة ست وستين وثلاثمائة من الهجرة، في فترة هي أقوى فترات الأندلس على الإطلاق وأعظم عهودها
| |
|
فجر الاسلام الصارخ ادارة المنتدى
عدد الرسائل : 305 الموقع الالكتروني : مدونة فجر الاسلام المعتقد و المذهب : الاسلام , أهل السنة والجماعة الموطن : مالي وللدنيا ,ما أنا في الدنيا إلا عابر سبيل استظل تحت الشجرة ثم راح وتركها تاريخ التسجيل : 31/12/2007
| موضوع: رد: تاريخ الاندلس : 6-الخلافة الأموية. الإثنين أبريل 28, 2008 12:04 am | |
| | |
|